قلتِ آنفاً في تعليقك على القصيدة ( انه يوجد قاسم مشترك ولا تشعري أو تحسي كما ذكرت أنها شعر ، وأن الكلام غريب والأوزان تتكسر ، ويمكن أن يكون نظم وليس شعر ، وأن هناك نقص يمكن أن يكون روح الشعر ) .
تعريف الشعر لغة : هو الكلام المنظوم الموزون المقفى .
وتعريف آخر أكثر تمسكا بالتراث العربي : هو نفس التعريف السابق مع زيادة ( لزوم ما لا يلزم ) .
المنظوم : هو الشعر نفسه ، ويعني انتظام الألفاظ في النسق واتساقها لتكمل بعضها بعضاً تماما مثل انتظام الخرز في السِمط وهو الخيط ، لا يتناثر ولا تحل خرزة مكان أخرى .
الموزون : أن تكون القصيدة موزونة على واحد من بحور الشعر العربي وعددها 16 بحراً
المقفى أو القافية : هي المقاطع الصوتية التي تكون في أواخرالأبيات وتلزم التكرار ، أو هي الحروف وتبدأ من آخر حرف ساكن إلى أول حرف ساكن يسبقه حرف متحرك .
أما غرابة الكلام وتكسر الأوزان : فلا أظن أن الكلمات غريبة وتحتاح إلى القاموس لفك مستغلقاتها ،،، وتكسر الأوزان فلا أعتقده البته ، إلا من جواز أو جوازين لجأت إليهما ، وقد شرحت ذلك في ( الملاحظات بقصيدة معاني ... ) .
أما روح الشعر يا سحابة ،،، : وَيْكأنكِ استثرتِ الدفائن واستنطقتِ الروح ، ولكن على العموم هاكِ ما يلي :
روح الشعر : كلمات يضيق بها الصدر فتنبعث انبعاث البركان من جوف الأرض ، فتصدع الهمّ كالحجر يصدعُ الحجر ، وتنفثُ الضجر كالمصدور إذا نفثَ .
روح الشعر : شعور عاث وجال في البدن مجال الدم في العروق .
روح الشعر : صدق الوجدان وصدق العاطفة .
في الغزل مثلاً يجب أن تتجمع عدة صور تُحرِّض القريحة لتنفجر ألفاظا ، والروح لا تبدو جلية إلا إذا كان المسرح مكتمل العناصر ،،، مثال :
أرى فاتنة ساحرة رقيقة ناعمة تميد ذات اليمين تارة وذات الشمال أخرى ، كالوردة تميد ما مادت بها الرياح ، تأسر بالألحاظ قبل الألفاظ ، وتمْشُق الأكباد بأشفار المُقَل ، كالخِشْف لم يُخطِئهُ النبل ،،، ثم لا أراني إلا موثوقا بأصفاد الشغف مكبلاً بسلاسل الغرام وإن الغرام صفة من صفات عذاب جهنم ، فكان الحب كذلك لأنه يُنْحِل الجسم ويهيم بالعقل إلى حيث التيه والضياع ،،، وإن غابت تلكم الفاتنة عُدّت كأني في جُبّ أحلك من جب يوسف .
فإن أردت التغزل بها بصدق أقول على البحر المديد ووزنه :
فاعلاتن فاعِلُن فَعِلُن
فاعلاتن فاعلن فَعْلُنْ
أشرقتْ كالصبح في فلق
أو كشمس أرسلت أجّا
أدركت قلبي بمشيتها
وارتمت في مهجتي زجّا
أنشد الزلفى وتسلك في
صدّها عن مقلتي فجّا
كلما قلت الهوى نِعَم
شجّني في أضلعي شجّا
رُبّ سحر من لمى رشاء
هالني في مبسم بلجا
فاتَنِي والعشق أرهقني
بين أنفاسي ترى ولجا
أشتري ما للردى سبب
كيف أبرى والدُّجى دجّى
ـــــــــــــــــــــ
والذي خلقكِ في ظلمات ثلاث ، ثم أنشأكِ خلقاً آخر ، إن في كل بيت من القصيدة روحاً وحسّاً ونبضاً وصورة .
صورتها حين تأتي مشرقة كفلق الصبح ، ثم كيف نامت وتمددت في القلب ، ثم كيف تهرب عن العين ، ثم كيف الهوى مزق الأضلاع ، وكيفية اضطراب النَفَس في الصدر لفرط الولهْ ، ثم كيف جاء السقم والمرض ولا برء منه .
روح الشعر : صدق الرجولة وصدق الفحولة ، إن بكى الرجل بكى على ما يستحق البكاء مع المحافظة على النحيزة ومكانة الإعتبار ، لا يذل ولا يخنس ، ولا يغتر ولا يتكبر ، الرجولة معاني وصفات ( إذ كل رجل ذكر وليس كل ذكر رجل ) .
روح الشعر : فخر جاز النجوم أو كاد ، طاف بالكون ثم عاد .
روح الشعر : كرم أخلاق وألفاظ ، لا يزال يتنامى ويتسامى حتى استحى منه الجود .
روح الشعر : لغة بوزن وبيان ، بلسان بليغ سليط وثَبْت جَنَان .
في الفخر ،،، في الرثاء ،،، في البكاء على الأطلال ،،، في الوصف ..... الخ .
قال العربيد الماجن معلم الحسن بن هانئ ( أبو النواس ) : أرثني ياغلام !!! قال أبو النواس كيف أرثيك وأنت حياً ؟؟؟ فأعاد عليه الطلب تكراراً حتى رثاه ببيت واحد ، فلم يعجبه البيت ، وأدرك الغلام ذلك فقال للمعلم : مت ولك مني أحسن منه ،،، فسر المعلم بتلك الإجابة وأدرك أن الغلام شاعر بحق ، وأنه يجب أن يعيش الحدث ليخرج الشعر من الأعماق وبصدق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل تلاحظي أن ما سلف مكتظ بروح الشعر ؟؟؟ أم لا زلت مصرة على التعليق ؟؟؟
مع تمنياتي لك بالتوفيق
حسين الطلاع