عملية الفزو الثقافي الفكري الهائلة, لاتستطيع قوة الفكر لوحدها ان تقف في وجهها وتحد من قدرتها في التأثير على المجتمعات الإسلامية.
فالفكر المجرد الجاف قد يفقد قابليته على التحدي والمقاومة إذا لم يكن نافذاً الى اعماق النفس الإنسانية ,وإذا لم يخرج من الذهن الى الروح فيمتزج معها ويتحول من مجرد قناعة فكرية الى عملية انشداد نفسي واندكاك لايقبل الانفصام.
وما أكثر المفكرين والمنظرين المحسوبين على هذه الجهة الفكرية أو تلك الذين انسلخوا آخر المطاف عن مذاهبهم التي طالما رفعوا لواءها ونادوا بها ودافعوا عنها.
والسبب بسيط واضح هو أن هؤلاء لم تكن قناعاتهم الفكرية قد انعكست على نفسياتهم ونفذت الى قلوبهم, بل ظلت محصورة ضمن جدران الذهن.
والإسلام وادراكاً منه لهذه النقطة بالذات, أولى الجانب النفسي والروحي للإنسان المسلم أهمية كبيرة, ولم يقصر تربيته للمسلم على الجانب الفكري ,بل على الجانب النفسي أيضاً, إن لم يكن اهتمامه بهذا الجانب يفوق اهتمامه بالجانب الأول.
لقد أكد الإسلام على ضرورة الانشداد النفسي للمبدأ والتفاعل الروحي مع الفكرة الإسلامية, والتمازج الفكري النفسي من أجل أن تكون الشخصية الإسلامية شخصية قوية ومؤثرة في الحياة الإجتماعية, وقادرة على اداء دورها الرسالي في هذا الكون وايصال صوت الإسلام الى كل مكان, ومن أجل أن تحمل أيضاً مصول الوقاية من كافة الأمراض والأوبئة الفكرية والثقافية التي لابد وان تواجهها خلال عملية الصراع المستمر بين الخيروالشر, وبين الفكر التوحيدي والأفكار المادية القائمة على الانحراف.
وتقوم العبادات بهذا الجانب التربوي للنفس والذي ينعكس بطبيعة الحال على الجانب الفكري, فتقوي هذا الجانب ,وتؤصل الأفكار والرؤى الإسلامية, وتضفي عليها طابع الديمومة والترسخ, وتمنحها قوة التأثير وقابلية المناعة والمقاومة.
العبادات الإسلامية عامل صيانة وعنصر وقاية فاعل يقي الإنسان المسلم من كل عوامل التهديد الفكري والثقافي لاسيما إذا قامت على القناعة ومورست بوعي وتعبد صادق, نظراً لما تضخه في النفس الإنسانية من طاقات هائلة من الانجذاب الى الفكر الذي تحمله, والتفاعل معه بشكل يجعل من المستحيل على الأفكار المضادة ان تؤثر عليها.
والعبادة ضرورة ثابتة لايمكن أن تضعف أو تلغى في يوم ما رغم كل ماحدث في حياة الانسان من تطور هائل "لأن نظام العبادات يعالج حاجة ثابتة في حياة الانسان خلقت معه وظلت ثابتة في كيانه على الرغم من التطور المستمر في حياته لأن العلاج بصيغة ثابتة يفترض ان الحاجة ثابتة".