في خيمة المعتضد
(إحدى محاولاتي المتواضعة وأول مشاركة لي في هذا المنتدى العريق)
الوقت ضحى، والمكان دوحة خضراء، والمسكن قبة نسجت بدقة
حتى باتت خيمة كبيرة
جعلها المعتضد مقرا له توسط مجلسها يلحظ بعين الحازم مسارح إبله
التي بالجوار تغدو وتروح والراعي يسوقها بمهارة واقتدار رغم كثرة عددها وشراسة طبعها في بعض الأحيان.
وما زال المعتضد مقيما منذ زمن في هذا المكان!!؟؟
لا يبرحه فهجر القصور والأملاك !!
وأطلق بصره في فسيح الأفلاك !!
حباه الله صفات كثيرة جعلته مهيب الطلعة قوي الشكيمة
كأن إبله في المساء حرس أحاط بإيوانه من كل جانب !!
تمنع عنه وحوش الوغى وهوام الليل.
ليس له في المكان أنيس أو جليس سوى الراعي الوفي النشيط
الذي يوقد النار ويطهو الطعام ويغلي الحليب ويصنع الخبز.
وذات يوم حل في حمى المعتضد أضياف تبين أنهم أبناء له
جاؤا لتهنئته بالعيد
وباتوا ليلتهم لديه في أحسن حال
وفي الصباح ارتجوه بإلحاح أن يقفل معهم راجعا إلى المدينة ؟؟
حيث يعيش عيشة الملوك والأمراء في قصر منيف
يحظى فيه بالرعاية والاهتمام
فأبت عليه نفسه فراق الديار التي اعتاد عليها
ياالله كم درج في نواحيها وسلك فجاجها وجاب أرضها!!
فألفها وألفته أزمنا عديدة
ومع كثرة إلحاحهم استجاب لمطلبهم بحال المكره لا سيما أن قدمه تحتاج لعناية بالغة
ولم تعد العصى التي يعتضد عليها تتحمل وطأة خطاه
التي لا تعرف الهدوء فقد عرف بنشاطه وكثرة مشيه رغم تقييد الإعاقة له.
أطرق المعتضد كثيرا وتأمل المكان من حوله ونظر له نظرات الوداع
ولم يملك عيناه فبكى كثيرا
ثم تظاهر بالجلد والشدة لكن افتضحته دموعه المنهمرة فخضبت لحيته البيضاء حتى ابتلت
ثم استدعى الراعي الوفي ورتب على كتفيه وشكره شكرا بالغا بصوت تخنقه العبرة وتقطع أوتاره الحسرة
لكنه شكر الراعي( فتح الله الماحي )على تلك السنوات التي قضاها معه
والتي حفلت بمواقف الوفاء والإخلاص والجد والنشاط
ثم أطلعه على حقيقة ما يرمو إليه من فراق الديار !!؟؟
وكانت فاجعة انهالت على الراعي الذي تملكه الحزن وكان وقع الخبر عليه أليما
وأيقن أن الأمر جد ليس بالهزل
يوم رأى خيمة عمه المعتضد تنزع أوتادها وتطرح حبالها وتقوض جوانبها ويسقط عمودها
ورأى الإبل التي طالما رعاها تساق إلى شاحنات كبيرة ترتص فيها حيث تحمل إلى سوق المواشي ؟؟!!
ثم نظر الراعي والمعتضد لبعضهما نظرة طويلة كساها الحزن وخيم عليها الأسى
ثم ألقى المعتضد عصاه في النار ؟؟؟
وأسلم رجله للمشية العرجاء ؟؟؟
وطويت صفحة من صفحات حياة رجل بدوي ألف الإبل والصحراء
ثم ساقته الظروف للعيش في مدينة لا يطيب فيها العيش.